عبء الدعوة عبء ثقيل، وحملها حمل كبير، تعجز قدرة الفرد عن تحمله والقيام به، لولا توفيق الله تعالى وعونه؛ ولذلك كان لابد للداعي إلى الله تعالى أن يتعرض لتوفيق ربه، وأن يستمد منه عونه، ويطلب منه مدده.
وإنما يكون هذا الاستمداد بحسن الصلة به سبحانه، وأن يكون بين العبد وبين الله حال يصبح معها من أوليائه، فلا يسلمه معها إلى أعدائه.
وهذه العلاقة بالله لازمة وضرورة للداعية من هذا الجانب، وأيضا من جانب آخر وهو أن الداعي دلاّل على الله يدعو الناس في الأصل لتحسين علاقتهم بربهم. فكيف يدل على الله من لا يعرفه، وكيف يربط الناس بمولاهم من هو مقطوع الصلة به؟!!
وما أجمل ما قاله العبد الصالح شعيب عليه السلام جامعا هذين الأمرين: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88].
ولن تنجح الدعوات إلا أن يتأتى نصر الله وتوفيقه، ولا يتأتى النصر والتوفيق ما لم تكن هناك صلة وثيقة، وعلاقة وطيدة بالله رب العالمين. قال قتادة: من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل.
حسن الصلة في أمرين:
وجماع حسن الصلة بالله في أمرين: ترك المعاصي، والتزام الطاعات.
فأما ترك المعاصي فأصل لا غنى عنه؛ إذ هي مجلبة العناء، وأصل الشقاء في الدنيا والآخرة، وهي أكبر أسباب الخذلان في أشد أوقات الحاجة، وتأثيرها على قلب الإنسان- الداعية وغيره- وبدنه ونفسه وماله لا ينكره إلا ميت القلب أو جاهل بربه ودينه..
قال ابن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنكم لن تلقوا ربكم بشيء خير لكم من قلة الذنوب، فمن سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن كثرة الذنوب.
وقال سفيان بن عيينة: لم يجتهد أحد قط اجتهادًا، ولم يتعبد أحد قط عبادة، أفضل من ترك ما نهى الله عنه.
ومن عجب أن يتعود العبد ترك السيئات وهجرها حتى يصل إلى حال لا يعرف كيف يعصي الله، كذا ورد عن عدد من السابقين رحمهم الله تعالى:
فعن شعيب بن حرب قال: جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد خمسمائة مجلس، فما أحسب صاحب الشمال كتب شيئا.
وعن عمرو بن مرة قال: حدثني رجل من أهل الربيع بن خثيم، فقال: ما سمعنا من ربيع كلمة نراه عصى الله فيها منذ عشرين سنة.
وليس المطلوب من الداعية فقط ترك المعاصي- فإن هذا يطلب من كل أحد- بل عليه بما هو أكبر من ذلك وهو الورع، فلا يتتبع الرخص، ولا يقع في الشبه؛ فإنه يقتدى به ويؤخذ عنه، فإذا لم يستعمل هو الورع فمن يستعمله؟!!
قال الحسن: مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.. وفي خير الورى خير قدوة حين مر بتمرة في الطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها.
وأما فعل الطاعات: فهو زاد المسلم الذي يغذيه، ويقوي قلبه وبدنه، ويشد أزره، وينهض بهمته في طريق دعوته.
وعلى الداعية أن يحرص على الكمال في العبادات، فلا يكتفي بالفرائض، بل عليه الإكثار من النوافل فهي باب الهداية، ومنشور الولاية، والمدخل إلى حفظ الله تعالى كما في الحديث القدسي: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» رواه البخاري.
فإذا حصلت للداعية هذه الصلة كانت معها المعية الخاصة من الله سبحانه التي جعلها لأوليائه الصالحين، وعباده المخلصين، قال تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ، وقال سبحانه: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} ، وقال عز وجل لموسى وهارون: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى}
وهذا الاتصال بالرب جل جلاله ضروري جدا للداعية المسلم، فبه تهون الصعاب، وتخف الآلام، وتنتزع من القلب الخشية من الناس، ويحس الإنسان بعزة الإسلام؛ لأنه موصول بالقوي العزيز {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، فلا يعظم في عينه باطل ولا مبطل لأن الباطل وأهله من التافه الحقير فلا يمكن أن يعظم في أعين المؤمنين.
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.